رابطة الزواج فى الإسلام

رابطة الزواج في الإسلام

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين ، سيدنا محمد وعلي آله وأصحابه أجمعين.

وبعد ……

أعطى الإسلام لعقد الزواج وتبعاته أهمية بالغة تمثلت جوانب الأهمية في التعبير أولا عنها في القرآن الكريم بمصطلح لم يتكرر سوي ثلاث مرات ، الأولي منهما في العلاقة الزوجية ، وما يبذله الزوج كدلالة علي صدق رغبته في العقد علي المرأة في قوله تعالي يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (19) وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً (21) سورة النساء .

هذه الآية من آيات الفطرة الإلهية ، عي أقوي ما تعتمد عليها المرأة في ترك أبويها وإخوتها وسائر أهلها ، والإتصال برجل غريب عنها تساهمه السراء والضراء ، وتسكن إليه ، ويسكن إليها ، ويكون بينهما من المودة أقوي مما يكون بين ذوي القربي ، ثقة منها بأن صلتها به أقوي من كل صلة ، وعيشها معه أهنأ من كل عيشة ، هذه الثقة وذلك الشعور الفطري الذي أودع الله في المرأة وجعلها تحس بصلة لم تعهد من قبل لا تجد مثلها لذي أحد من الأهل ، وبها تعتقد أنها بالزواج مقبلة علي سعادة ليس وراءها سعادة في الحياة ، هذا هو المركوز في أعماق النفس ، وهذا الميثاق الغليظ ، فما قيمة من لا يفي بهذا الميثاق ؟ وما هي مكانته من الإنسانية ؟ (تفسر المنار ـ 4/460) ، (تفسير المراغي ـ 4/216) .

وتلك الاية قد حوت لفظتين تشعران بقيمة ذلك العقد وخطورته في الإسلام ، أولاهما في الميثاق الذي أخذه الله علي الرجل والذي متى إستهان به يكون قد نقض عهده مع الله ، وثانيها فى وصف ذالكم الميثاق بالغلظة والتى تعنى فيما تعنى الشدة والقوة والمتانة ، تلك الأخيرة التى تؤكد عدم هوان فض ذلك الميثاق علي الله وعلي أطرافه كذلك .

يزيد من بيان خطورته أن ذلك الوصف لرابطة الزواج لم يرد في كتاب الله إلا بصدد العهد الذي أخذه الله علي الرسل عامة ، وأولي العزم من الرسل منهم خاصة ، قال تعالي” وَإِذْ أَخَذْنَا مِنْ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً” سورة الأحزاب  (7) .

فغلظ الميثاق إنما يتأتي بما يتطلبه الميثاق ، ولا يوجد ميثاق أغلظ مما أخذه الله من النبيين ، ومما بين الرجل والمرأة ، لأنه تعرض لمسألة لا يتاح من الزوجة لغيرزوجها ، ولا من الزوج لغير زوجته (تفسير الشعراروي ـ ص2089) .

وفي لفتة ثالثة ترد تلك اللفظة بخصوص نبي الله موسي عليه السلام ، لكن في سورة النساء ، ومن ثم يكون قد ورد ذكر الميثاق الغليظ مرتين في سورة النساء ، وذلك له دلالته ولا شك .

وأن الميثاق هنا “أمانة الله التى أخذها بها ـ أي المرأة ـ وكلمة الله التى إستحل الحرام منها بسببها (تفسير القرطبي ـ 6/170 ـ بتصرف ) قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقُّوا اللَّه فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّه وَاسْتَحْلَلْتُمْ/ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّه” ، (مسند أحمد برقم 20695) ، والغلظ في الحقيقة صلابة الذوات ، ثم إستعيرت إلي صعوبة المعاني وشدتها في أنواعها (تفسير التحرير والتنوير ـ 4/460) ،“وهذا الميثاق الغليظ يحتم عليك أن تعثرت العشرة أن تتحملها ، وتقابلها بالمعروف (تفسير الشعراوي ـ ص2087) .

قَالُوا: صُحْبَةُ عِشْرِينَ يَوْمًا قَرَابَةٌ، فَكَيْفَ بِمَا يَجْرِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مِنَ الِاتِّحَادِ والامتزاج ، (التفسير الكبير ـ 10/16) .

ويزيد من عظم تلك الرابطة أن ذلك العهد ـ الميثاق ـ لم يجعل طرفيه بيد الزوجين ، يملكان فضه والفكاك منه متى أرادا من غير مقتضي ، بل جعل الميثاق بينهم وبين الله سبحانه وتعالي ، فقال “ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً(21) سورة النساء ، مقرونا بناء الفاعل .

وبمزيد من التأمل يتأكد لنا أن الطرفين سيسألان عن سبب اللجوء لفض ذلك الميثاق والخلاص منه ، يدل علي ذلك سؤال الله لأولي العزم من الرسل ومن حملوا عبء الدعوة بعدهم ، فشيم كل من نقض عهدا بغير عذر ، أو أخلف وعدا أخُذ عليه ، أن يسأل عن سر إقدامه علي ذلك .

ولا تزال آيات القرآن ملئ وكذلك السنة النبوية بما يؤكد قيمة وعظمة رابطة الزواج ،

والله من وراء القصد وهو الهادى إلس سواء السبيل

يتبع ……..

                              دكتور / أحمد رمضان عمارة

واعظ عام بمجمع البحوث الإسلامية الأزهر الشريف

Share this post

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *