إستهداف السكن فى الزواج

إستهداف السكن في الزواج

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام علي المبعوث رحمة للعالمين ، سيدنا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين .

وبعد،،،،،،

بين القرآن الكريم في أكثر من موضع ، الغاية من إقتران الرجل بالمرأة ، قال تعالي “ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا” سورة ألأعراف (189) .

وقال تعالي “ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ” سورة الروم (21).

فبين فى تلك الآيات أن العلة التى من أجلها إرتبط الرجل بالمرأة هي السكن “والمعنى ليأنس بها ويطمئن” (تفسير القرطبي ـ 9/408) ، ويأوي إليها (تفسير البغوي ـ 3/311) ،

وهذه اللفتة القرآنية تتمة لمعنى إرتباط الرجل بالمرأة حقيقة وإطلاقا ، وذلك واضح من خلال لفظة الزوج التى يحملها كلاهما مجردا ، وأيضا لفظة من أنفسكم ، وثالث الأمور إضافة الرجل إلي المرأةوالعكس في قوله تعالي”هن لباس لكم”مما يؤكد عدم إستغناء أحدهما عن الاخر بل حاجة الرجل إلي المرأة أأكد .

يؤكد الحقيقة السابقة الآية التى تم الإشارة إليها سابقا ـ لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ـ فقيل “ليطمئن إليها ويميل ولا ينفر ، لأن الجنس إلي الجنس أميل ، وبه آنس ، وإذا كانت بعضا منه كان السكون والمحبة أبلغ ، كما يسكن الإنسان إلي ولده ، ويحبه محبة نفسه ، لكونه بضعة منه ” (تفسير الكشاف ـ 2/186) .

وأيضا بدأ القرآن بسكن الرجل للمرأة “لأن الذكر هو الذي يأنس إلي الأنثي” (المرجع السابق ـ نفس الموضع) ، فهو يستأنس بها ويأوي إليها (تفسير الثعلبي ـ 4/314) .

فالقرآن الكريم بين أن هدف الإسلام في إرتباط الرجل بالمرأة هو السكن ، بعد تأكيد علي أن الأخيرة قطعة من الأول ـ أي أن المرأة قطعة من الرجل ـ وفي ذلك من الإشارات ما لا يخفي ، حيث يقول الإمام القشيري في لطائف الإشارات “في قوله ليسكن إليها ، رد المثل إلي المثل ، وربط الشكل بالشكل ، ليعلم العالمون أن سكون الخلق مع الخلق ، وكذلك أنسل الخلق من الخلق (1/595 ، بتصرف يسير) .

وأن الخطاب هنا لجميع الناس في قوله تعالي” هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا” سورة ألأعراف (189) ، يريد آدم وحواء ، أي إستمرت حالكم واحدا كذلك ، فهذه نعمة تخص كل أحد بجزء منها (المحرر الوجيز ـ 2/486) ، حيث يستأنس بها ويطمئن إليها إطمئنان الشئ إلي جنسه أو جزئه (تفسير البيضاوي ـ 3/45) .

وذلك من مقتضيات الفطرة التى أودعها الله خلقه (تفسير المراعي ـ 9/137 ـ بتصرف يسير) ، وقد عبر عن ميل الزوج الجنسي إلي جنسه هنا ، وذلك أن المرء إذا بلغ سن الحياة الزوجية ، يجد في نفسه إضطرابا خاصا ، لا تسكن إلا إذا إقترن بزوج من جنسه وإتحدا ، ذلك الإقتران والإتحاد الذي لا تكمل حياتهما الجنسية المنتجة إلا به (تفسير المنار ـ 9/432) ، وأن السكون حصل هنا لما بينهما من المناسبة والموافقة (تفسير السعدي ـ 1/311) .

ومن ثم يعد خلق الله سبحانه وتعالي المرأة من الرجل كان تمهيدا لعملية السكون هذه ، التى لا بد منها أولا ،  وحتى لا ينفر كلا منهما من الآخر ، فحلقات الخلق والإرتباط بينهما متصلة كالعُقد ، “وفي هذا تذكير بهذه الحالة العجيبة الدالة علي عظم القدرة وسعة العلم حيث بثًه من نفس واحدةٍ رجالاً كثيراً ونساءًا ، (تفسير التحرير والتنوير ـ 9/211) .

فالأصل في الحياة الزوجية هو السكن والإطمئنان والأنس والإستقرار ، وهذه نظرة الإسلام إلي تلك الحياة ،(التفسير الوسيط ، (5/453) ، قال تعالي” وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً” سورة الأعراف (21) ،

وختاما : فلقد جعل الإسلام من بين أهداف الزواج السكن والذي لا يكون إلا بين متماثلين ، لتتم بينهما الأنس والألفة ، وتتحقق مقاصد الزواج التى تغياها الشرع ، والناظر في تلك الآيات يتأكد لديه مدي لُحمة الخلق والإبداع من خلق الأنثي من الذكر ، وتحقيق معاني الإستخلاف في الأرض من خلال الإقتران والإتحاد ـ الزواج ـ ، وذلك حتى يتحقق معنى وجود النوع الإنساني علي الأرض وهو الإستخلاف ، ليتوصل الجميع من خلال ذلك ، إلي عظمة الله سبحانه وتعالي وقدرته ، وهو ما يؤهلهم إلي العلة من خلقهم وهي العبادة له دون ما سواه .

والله من وراء القصد وهو الهادى إلس سواء السبيل

يتبع ……..

                             دكتور / أحمد رمضان عمارة

              واعظ عام بمجمع البحوث الإسلامية – الأزهر الشريف

Share this post

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *